/ الفَائِدَةُ : ( 62 ) /
18/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / عِلْمُ الكلام لم يكن حربة وقلعة مُهِمَّة للدفاع عن المنهج الحقّ/ إِنَّ الطَّرح الكلامي لمباحث ومقامات الوصايا والإِمامة الإِلهيَّة لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في عِلْم الكلام أَدنى مستوى من الطَّرح الفلسفي والعرفاني؛ فإِنَّه يتناول وصايتهم عليهم السلام وإِمامتهم الإِلهيَّة وينتهي إِلى أَنَّهم بشرٌ عاديون، نعم، مفترضو الطَّاعة، ومُسدَّدون من اللّـه تبارك وتعالىٰ، ومعهم ملائكة يُسدِّدُوْنَهُم ويُوَجِّهُونَهُم، ويفتحون صلوات اللّٰـه عليهم أَوراقاً وصحفاً ورثوها عن سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ويقرؤنها ويتعلَّمون منها. وقد غفل البحث الكلامي عن علومهم عليهم السلام ومعارفهم الرُّوحيَّة والنًّوريَّة والملكوتيَّة الإِلٰهيَّة، وانشغلوا بهذا المستوىٰ والطرح الهابط والبحث القشري، ولم يلتفتوا لواقع البحث وخطورته. بل البحث الفلسفي والعرفاني لأَتباع مدرسة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كان أَرقىٰ من هذا الطَّرح الكلامي، لكنَّه لم يرتقِ لواقع بحث الوصايا والإِمامة الإِلٰهيَّة الوارد في بيانات الوحي القطعيَّة، وتاهت أَبحاثهم عن بلورة وهندسة ما ورد في تلك البيانات الوحيانيَّة؛ فإِنَّهم قالوا: إِنَّ الوصايا والإِمامة الإِلٰهيَّة عصمة روحيَّة ونور ملكوتي، لكنَّه لا زال دون واقع البحث الَّذي ترسمه بيانات الوحي. وهذه قضيَّة واضحة، بل هذه الأَبحاث مُولِّدة لانطباعات عن مقام الوصايا والإِمامة الإِلٰهيَّة كانطباعات جمهور العامَّة عنهما. وهذا ليس سبّاً وَحَطّاً من مقام أُولئك، ولا ذماً لعِلْم الكلام، وإِنَّما بيان واقع؛ وَأَنَّ عِلْم الكلام لم يكن حربة وقلعة مُهمَّة من حراب وقلاع الدفاع عن المنهج الحقّ؛ نهج أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، بل لا بُدَّ أَنْ يبقىٰ حيّاً ومتنامياً ومُتطوِّراً، ومع هذا لا يُحبس واقع المعارف بما توصَّل إِليه، وما توصَّل إِليه عِلْم الفلسفة والعرفان؛ لكون الجميع قراءة ونتاج بشريّ محدود بمحدوديَّة قوىٰ وإِمكانيَّات البشر، والوقوف على تلك القراءات وذلك النتاج تحجير للعقول وإِماتة للحقائق، بخلاف نتاج الوحي؛ فإِنَّه نظام لا يختل ولا يتبدَّل ولا يختلف ولا يتخلَّف أَبداً، حاوي على قوالب وعلوم ومعلومات ومعارف ومعاني وحقائق غير متناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور، وَمَنْ أَتاه عرف من أَين تؤكل الكتف، ووجد أَنَّ كُلَّ الصّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا، بل من تقدَّمه غرق في بحر الإِفراط، وَمَنْ تأَخَّر عنه زهق في برِّ التفريط، وينتشل من يتمسَّك به من الظُّلمات والغواشي، ويُخرجه من الحُجُب الظلمانيَّة، ويُقِرَّ به في عَالَم النُّور والبهاء والسرور والحبور، وهذا ما تشير إليه بيانات الوحي، منها : 1ـ بیان قوله عزَّ منْ قائل: [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا] (1) . 2ـ بیان قوله جلَّ قوله: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ] (2) . 3ـ بیان قوله عزَّ قوله: [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] (3) . ودلالتها واضحة. بل بيانات الوحي حاوية وشاملة لجملة العلوم والمعارف والحقائق غير المتناهية، ولا يشذُّ عنها شيئاً أَبداً. فانظر: بیان قوله جلَّ شأنه: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] (4) . وهذه ضابطة وحيانيَّة عامَّة، جامعة مانعة. وعليه: فينبغي للمخلوق أَنْ لا يتوهَّم بوقوف معارف بيانات الوحي وعلومها ومعانيها وحقائقها عند حدٍّ مُعَيَّنٍ، وإِلَّا ارتطم بالتَّقصير الجارِّ إِلى الغلو، على وفق القاعدة: «أَنَّ في كُلِّ تقصيرٍ غلوّاً، وفي كُلِّ غلوٍّ تقصيراً»، فتدبَّر؛ فإِنَّهما وجهان لعملةٍ وحقيقةٍ واحدةٍ، وخطورة أَحدهما عين خطورة الآخر، والنَّجاة في سلوك المنزلة الوسطىٰ (الأَمر بين الأَمرين)، جادَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، الَّتي لا تُخرج إِلى عوج، ولا تُزيل عن منهج الحقِّ، نعم هي دقيقة الوزن، حادَّة اللسان، صعبة التَّرَقِّي حتى على الحاذق اللَّبيب. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الجامعة: «... فالرَّاغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمُقَصِّر في حقِّكم زاهق، والحقُّ معكم وفيكم ومنكم وإِليكم، وأَنتم أَهله ومعدنه ...» (5) . ودلالته واضحة. لكن يحتاج السَّائر على نهج أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِلى سيرٍ مُبرهنٍ وموزونٍ بالضَّوابط والقواعد العلميَّة والمعرفيَّة الوحيانيَّة والعقليَّة. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي، منها: بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في وصيَّته لأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه: «... يا عَلِيّ، إِنَّ هذا الدِّين متين فأَوغل فيه برفق ...» (6). وعليه: فينبغي للمخلوق أَنْ لا يتوهَّم بوقوف معارف بيانات الوحي وعلومها ومعانيها وحقائقها عند حدٍّ مُعَيَّنٍ، وإِلَّا ارتطم بالتَّقصير الجارِّ إِلى الغلو، على وفق القاعدة: «أَنَّ في كُلِّ تقصيرٍ غلوّاً، وفي كُلِّ غلوٍّ تقصيراً»، فتدبَّر جَيِّداً؛ فإِنَّهما وجهان لعملةٍ وحقيقةٍ واحدةٍ، وخطورة أَحدهما عين خطورة الآخر، والنَّجاة في سلوك المنزلة الوسطىٰ (الأَمر بين الأَمرين)، جادَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، الَّتي لا تُخرج إِلى عوج، ولا تُزيل عن منهج الحقِّ، نعم هي دقيقة الوزن، حادَّة اللسان، صعبة التَّرَقِّي حتى على الحاذق اللَّبيب. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الجامعة: «... فالرَّاغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمُقَصِّر في حقِّكم زاهق، والحقُّ معكم وفيكم ومنكم وإِليكم، وأَنتم أَهله ومعدنه ...» (5) . ودلالته واضحة. لكن يحتاج السَّائر على نهج أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِلى سيرٍ مُبَرْهَنٍ وموزونٍ بالضَّوابط والقواعد العلميَّة والمعرفيَّة الوحيانيَّة والعقليَّة. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي، منها: بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في وصيَّته لأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه: «... يا عَلِيّ، إِنَّ هذا الدِّين متين فأَوغل فيه برفق ...» (6). وعصارة القول: يحتاج مَنْ يبغي اِبصار الحقيقة إِلى الغوص والغور في بطون بحور علوم ومعارف الوحي غير المتناهية؛ على وفق الموازين العلميَّة والمعرفيَّة الوحيانيَّة والعقليَّة، وإِلَّا لارتطم بالخبط والخلط، والوقوع في الزيغ والضَّلال والإِنحراف. والوقوف والجمود على استنتاجات البشر في عِلْم الكلام والفلسفة والعرفان وغيرها فحسب للوصول إِلى الحقيقة من دون الاتِّكاء على بيانات الوحي حوالة على مُفلِّس، وكمَن يتعلَّق بنسيج العنكبوت للعروج إِلى أَسباب السَّماوات، بل تُسبِّب له الوقوع في الهلكة. والحقُّ يكمن في استخراج ثوابت بيانات الوحي والسير على وفقها. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف: 109. (2) لقمان: 27. (3) النحل: 96. (4) النحل: 89. (5) بحار الأَنوار، 99: 129. (6) بحار الأَنوار، 68: 213 ـ 214/ح8. الكافي، 2: 87